رددت عبارة في الماضي «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه» أي إن فاتتك الوظيفة الحكومية تمرغ في ترابها حسرة على عدم إصابتك لها.. والآن وبعد أن ازدادت أعداد الطالبين للتوظف، ولم تزد بنفس الحجم أعداد الوظائف الحكومية المتاحة للتوظيف، ولم تعد تفي بآمال من يريد أن يلتحق بها.. وجد الكثير من طالبي التوظف أنفسهم أمام إما الوقوف والانتظار في طوابير البطالة، أو السعي على الرزق في الأرض، والخوض في غمار العمل الخاص..
فالعمل الخاص أمر مطلوب الآن بشكل كبير، واللجوء إليه أصبح ضرورة لكل من يريد أن يقي نفسه ذل المسألة، ولا يريد أن يمد يده للآخرين، ويقي نفسه أيضًا من أن يكون رقمًا لا قيمة له في طوابير البطالة التي تزدحم بها الطرقات في معظم إن لم كل دول العالم هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية فإن الإقبال على العمل أيًا كان مجاله، أو تخصصه يقلل الطلب المتزايد على الوظائف الحكومية القليلة المتاحة، حتى وإن كانت هذه الوظائف الحكومية كثيرة فإن أعداد الراغبين أكبر بكثير.. ومن ناحية ثالثة يحقق العمل الخاص في حال نجاحه الرفاهية والحياة الكريمة لصاحبه، ولأسرته الصغيرة، ولمجتمعه ولوطنه، فأي زيادة في الإنتاج داخل الوطن الواحد أيًا كان مصدرها قطاعًا عامًا أم قطاعًا خاصًا فهي ترفع من شأن اقتصاد هذا الوطن.
والحقيقة الماثلة للعيان.. أن العمل الخاص يوفر لصاحبه الكثير من المزايا؛ ومن أهمها: القدرة على الابتكار والإبداع، والقدرة على اتخاذ القرار، ويوفر له أيضًا الشعور بالذات، وتقديره لهذه الذات، كما يوفر الحياة الرغيدة لمالك المشروع، ولمن يعول من زوجة وأولاد، فضلًا عن مساهمته المباشرة وغير المباشرة في تعزيز قدرات اقتصاد وطنه.. وكل هذه المزايا تتوقف على العديد من المبادئ التي تحكم وتساهم في نجاح المشروع الخاص، وتتوقف أيضًا على مدى تجنب الأخطاء التي وقع فيها الآخرون أثناء خوضهم تجاربهم الاستثمارية غير المدروسة، وغير القائمة على المبادئ والأسس العملية السليمة.
إن قرار الشاب (أو الفتاة) الاتجاه إلى العمل الخاص سواء العمل عند الآخرين، أو مشاركة آخر، أو إنشاء مشروع خاص مستقل؛ هو قرار شجاع بكل تأكيد، ولكن في الوقت ذاته قرار له معوقات، وتكتنفه مشكلات، فالطريق ليس مفروشًا بالورود، ويجب على من يأخذ مثل هذا القرار أن يكون مستعدًا لتحمل تبعات هذا القرار، وأن يسلح نفسه بالعلم والتدريب، قبل أن يسلك هذا الطريق.. فقد يحلم كثير من الشباب (الفتيات) بأن يصبحوا من رجال الأعمال الذين يسمعون عنهم، ويرون صورهم في المجلات، والجرائد، والتلفاز، ويحلمون أن يستمتعوا بالحياة الرغيدة، والعيش الكريم مثلهم.. وهذه الأحلام مشروعة بكل تأكيد؛ ولكن تحقيقها لن يأتي بمزيد من هذه الأحلام، أو بالكثير من الأماني، فإن اكتفى الشاب (أو الفتاة) بالطموح، والأحلام، والأماني فقد دخل دائرة الأوهام التي لا تغير من واقعه شيئًا ملموسًا.. مع عدم إغفال حقيقة أن الطموح والحلم، والخيال، والأماني أمور مهمة بالنسبة لكل إنسان، فالطموح من مولدات العزيمة، والإصرار داخل النفس البشرية، والحلم وتخيل النفس في مواقع أو مراكز مرغوبة مهم جدًا أيضًا، إذ بدون حلم أو تخيل أو طموح لن يستطيع الإنسان الوصول إلى شيء ما، والعمل المتواصل وبذل المزيد من الجهد أمر مطلوب، ولكن هناك خطوات لتجنب الفشل، وعوامل مساعدة على تحقيق النجاح يجب على الشاب (أو الفتاة) الذي يريد إنشاء مشروع خاص اتباعها قبل الإقبال على إنشاء المشروع، وفي أثناء تنفيذه، كي يحقق النجاح الذي ينشده.. وقبل عرضها يتم التأكيد ثانية.. إن تحقيق الأحلام والأماني لا يأتي إلا بالعمل، والتعب، والجهد المتواصل، ويسبق ذلك العلم، والتدريب، وتنمية وتطوير الذات الذي يكسب الشاب (أو الفتاة) الثقافة، والمهارة، والخبرة.
خطوات لتجنب فشل المشروع الخاص:
• اللجوء إلى الدراسة: إذا قام الشاب (أو الفتاة) الذي يريد امتلاك مشروع خاص بتقليد ما أقبل عليه الآخرون، من دون دراسة تحدد مناسبة وتوافق هذا المشروع مع إمكانياته وقدراته الشخصية والمالية، فيعد هذا التقليد تقليدًا أعمى قد يؤدي إلى فشل المشروع.
• تعدد مصادر التمويل إن أمكن: فتحمل الشاب (أو الفتاة) المستثمر في مشروعه الخاص، تمويل هذا المشروع بالكامل من ماله الخاص، قد يعرض هذا المشروع للتوقف والفشل في حال نفاد رأسماله الشخصي، مع استمرارية حاجة المشروع للتمويل.
• عدم الاعتماد على دخل المشروع في بداياته: قد لا يدر المشروع عائدًا يفي باحتياجات صاحبه إلا بعد مرور فترة من الزمن قد تمتد إلى سنة أو أكثر.. ولهذا يعد من الخطأ أن يظن الشاب (أو الفتاة) المستثمر إمكانية اعتماده في نفقاته الشخصية والحياتية على ما يدره المشروع فورًا من عوائد.. فيجد نفسه مضطرًا إلى العمل في مجال آخر ينفق من خلاله على احتياجاته الشخصية، ويهمل التفرغ لمشروعه الخاص؛ الذي يتأثر بالتأكيد، ويتعرض للفشل.. فنجاح المشروع يفرض على صاحبه أن يصفي له ذهنه، ويبذل كل جهده وطاقته في العمل.
• الالتزام في التعامل مع المشروع: إن توهم الشاب (أو الفتاة) - المستثمر في المشروع الخاص - في نفسه أن لا قيود عليه في العمل، ولا قيود في اتخاذ القرار، ولا التزام بالدوام أن المشروع ملك خاص له يفعل ما يريد، هذا التوهم من أهم أسباب فشل المشروع، إذ إن أي مشروع تكون له التزامات تجاه العملاء والموردين، وهذه الالتزامات أو المصالح المشتركة تفرض على صاحب المشروع أن يحترمها، ومن مظاهر هذا الاحترام أن يكون ملتزمًا في عمله، وفي ارتباطاته وتعاملاته، كي يحمي مصالح الآخرين، وكي يستمر مشروعه.
• عدم تعجل قطف الثمرة: إن من أهم الأخطاء التي يقع فيها الشاب (أو الفتاة) المستثمر الخاص وقد تعرضه للفشل هي تعجل قطف الثمرة؛ أي تعجل الثراء، الذي لن يأتي بين يوم وليلة، ولن يأتي من دون تعب، وعناء ومشقة، وعمل جاد متواصل.
عوامل نجاح المشروع الخاص:
• احرص (احرصي) على اختيار فكرة مشروعك الصغير الخاص بعناية ودقة شديدة، فالاختيار الصحيح لفكـرة مشروع ما، يوفر عليك الكثير من المصاعب التي تواجهك في المستقبل، ولهذا الاختيار خطوات.. من أهمها:
• توافر عوامل الإنتاج في المجتمع أو البيئة المحيطة بك، ومن أهم عوامل الإنتاج: الخامات، والأيدي العاملة ومدى قدرتها ومهاراتها، فتوافر الخامات والأيدي العاملة في محيطك المجتمعي يوفر بلا شك من التكاليف المالية، حيث تقل تكلفة نقل الخامات والعمال، وتقل مخاطر عدم القدرة على توفير المواد الخام اللازمة.
• اختيار منتج يتوقع أن تكون نسبة مبيعاته عالية، وهذا المنتج لابد له من صفات تميزه عن كثير من المنتجات المشابهة، حتى يزداد طلب المستهلك عليه، فتزيد نسبة المبيعات، وبالتالي تزيد ربحية المشروع ويستمر في البقاء.
• ضع في اعتبار منذ اللحظة الأولى في التفكير في مشروعك ابتعادك تمامًا عن تقليد أي منتج يباع في السوق، فالتقليد لن يحقق لمنتجك أي وجود في السوق ومن ثم سوف يفشل، وإن كان هناك تشابه في مادة المنتج مع مواد منتجات أخرى - مثلاً: البسكويت المغطى بالشيكولاتة - فلا بد أن يأتي بطعم مغاير للمنتجات الأخرى، وذلك بزيادة نكهات مميزة لمنتجك، حتى ترغب المستهلك في شرائه وترك المنتج الذي تعود على شرائه.
• دراسة السوق الذي ستتعامل فيه: هذه خطوة مهمة وأساسية، إذ إن دراسة السوق قبل الخوض في تنفيذ فكرة المشروع التي اخترتها، تساهم بالدرجة الكبرى في نجاح أو فشل مشروعك، فاختيار فكرة مشروع ممتازة لا يكفي ولا يعتبر دليلًا على نجاح المشروع، إذ قد تكون الفكرة ممتازة - من وجهة نظرك - لإنشاء مشروع لإنتاج منتج ما، ولكن بدراستك للسوق - وجمع المعلومات الكافية عن المنافسين الذين ينتجون منتجات مشابهة - تكتشف أن هناك كميات كبيرة معروضة في السوق لمنتجات مشابهة لنفس المنتج الذي تريد إنتاجه، وبدراستك لمكونات هذه المنتجات تكتشف أنك لن تستطيع إضافة مادة أخرى تميزه عن هذه المنتجات المتوافرة في السوق، ومن هنا ينبغي عليك أن تتحول إلى فكرة أخرى، وقد تدلك دراسة السوق على انخفاض الطلب المتوقع على السلعة أو المنتج الذي تريد إنتاجه، وذلك بعد استقصائك لآراء عينات من المستهلكين حـول مدى حاجتهم لمنتجك الجديد، وعن مدى تفضيلهم للمنتجات المشابهة، وعن مدى استعدادهم لترك المنتج المشابه وشراء منتجك، وهل هذا سيعود لانخفاض سعر منتجك مع توفيره لنفس قدر إشباعهم لرغباتهم واحتياجاتهم التي كانوا يحصلون عليها من المنتجات المشابهـة، فإن كانت نتيجة الاستقصاء أو الاستبيان أن الطلب سيكون منخفضًا على منتجك الجديد يتحتم عليك في هذه الحالة عدم الشروع في تنفيذ المشروع، لعدم التعرض للفشل، والخسارة.
• الإمكانية العالية للتوزيع والمبيعات: في حال كان قرارك البدء في تنفيذ المشروع، بعد أن أصبح لديك تأكد بنسبة معقولة من نجاحه، يتوجب عليك من باب حسن إدارة المشروع أن يكون لديك العمالة الماهرة التي تكسب منتجك الجودة التي تؤهلها للمنافسة في السوق، وكذلك العمالة والإمكانات المساعدة في عمليات التوزيع والبيع- سيارات وخلافه - بما يمكنك من فتح أسواق جديدة وبناء قاعدة عملاء ترتبط بمنتجك، وعملية البيع لها مهارات خاصة لابد من توافرها في الأشخاص الذين سيقومون ببيع منتجك، ومن أهم هذه المهارات الحفاظ على العملاء، ومن وسائل الحفاظ على العملاء:
• التعاون البناء مع عملائك: إن عملية البيع ليس مجرد تسليم بضاعة وأخذ المقابل المادي وفقط، وإنما تشعر العميل بأنك تهتم بالمحافظة على العلاقة معه. فمثلًا تقبل منه المنتجات الخاصة بك والتي ظهر بها بعض العيوب بعد عملية البيع، وتستبدلها له أو ترد له ما قام بسداده، فهنا يشعر العميل بمدى أهميته عندك، وبالتالي يحافظ على نسبة شرائه منك، بل وتزداد هذه النسبة في المستقبل دون شك.
• الاهتمام الكبير بخدمة ما بعد البيع: إن هذه الخدمة أصبحت الآن من أهم الوسائل الجاذبة للعملاء والمستهلكين، فالبائع المحترف الذي يريد أن يجذب ويحافظ على عملائه والمستهلكين للسلعة التي ينتجها أو يبيعها، هو الذي يؤدي هذه الخدمة بكفاءة عالية، فعملية البيع لا تنتهي بمجرد استلام القيمة الخاصة بالمنتج المباع وإنما تمتد إلى ما بعد البيع، من خدمات الصيانة المجانية، أو الاستبدال، أو التركيب والتشغيل المجاني، وكذلك إعطاء الضمان الذي يمتد إلى سنة أو أكثر في حال السلع أو المنتجات التي تحتاج إلى ضمان.
• اللجوء الفعال للحملات الترويجية: وللحملات الترويجية أشكال عديدة منها: عمل المسابقات على منتجاتك - طبقًا لإمكاناتك المادية وميزانية شركتك - وتقديم الهدايا المجانية، وتقديم بعض قطع الغيار البسيطة مجانًا، فكل هذا يجذب العملاء والمستهلكين إلى منتجك، مما يساعدك على الاحتفاظ بحصتك في السوق، ويساعد على زيادة مبيعاتك ومن ثم ربحك، وبالتالي يساعدك على الاستمرارية والبقاء، والتوسع في المستقبل.
ولعل من المناسب في النهاية التحذير من ظاهرة تقليد الآخرين التي أصبحت ملحوظة في كثير من المجتمعات، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، وتتجلى هذه الظاهرة بوضوح في التقليد الأعمى للمشروعات، ولعل كثير منّا يلاحظ ذلك في المشروعات الصغيرة، فمن منّا لا يشاهد تكرارها في الحي الواحد، بل في الشارع الواحد، فكثيرًا ما نرى ما إن يتم افتتاح مشروع صغير في شارع ما، إلا وتهافت الكثير على تكرار الفكرة، ونرى استنساخ سريع لنفس المشروع، دون أن يكلف المستثمر الصغير - الذي يكرر الفكرة - نفسه عناء التفكير في استيعاب القدرة الشرائية لسكان الشارع للمنتج أو الخدمة التي سيعرضها المشروع المكرر، وتكون العاقبة السريعة إغلاق المشروع لعدم القدرة على تحمل إيجار المحل، ولعدم القدرة على سداد ثمن البضائع المتراكمة، التي يضطر مالكها إلى بيعها بأي ثمن حتى يتخلص منها قبل انتهاء مدة صلاحيتها